معركة الهوية... شهادات من نيسان - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

معركة الهوية... شهادات من نيسان
نقلاً عن مركز الجولان للاعلام والنشر
إعداد: ايمن أبو جبل
منذ اليوم الأول لانتفاضة شباط عام 1982، واعلان الإضراب العام والشامل في قرى الجولان الذي استمر خمسة اشهر وستة أيام متواصلة ، أدرك مواطنو الجولان، انهم في مواجهة دولة بوليسية قمعية ترتكز على البطش والعنف والغطرسة، وهم بإمكانياتهم المعدمة، إنما يخوضون حرب دفاع عن شرفهم وكرامتهم ووجودهم، في الوقت الذي انشغل فيه العرب بالتنديد والاستنكار، والهروع إلى مجلس الأمن الدولي لإنقاذ الأرض العربية من الأخطبوط الإسرائيلي، الذي يقضم المزيد منها .دون رادع أو وازع إنساني واخلاقي، والتسليم بأمر الواقع،في انتظار الحلول السياسية التي تفرضها الدول الكبرى.
ورغم تزاحم الأحداث الدولية والعربية والمحلية،التي ترافقت مع الانتفاضة الجماهيرية الشعبية في الجولان احداث بولندا التي عكست بظلالها على الساحة الدولية، وأزمة صواريخ "سام" السورية في البقاع اللبناني ، والحرب الأهلية اللبنانية، وبدء الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء المصرية بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، والشروع في تنفيذ خطة الحكم المحلي الإداري، وعدم مصداقية وشرعية روابط القرى العميلة في فلسطين . إلا أن احداث الجولان بقيت في دائرة الحدث الإعلامي والشعبي لما اكتسبته من تضامن نضالي، على صعيد كافة الأراضي العربية المحتلة،وخطوة رائدة في ارتقاء العمل الشعبي المنظم ، فلأول مرة تشارك الجماهير قادتها المحليين من الشيوخ والشباب،في اتخاذ القرارات،وتحديد الأولويات الوطنية، واختيار الوسائل الكفاحية، وتتشكل لجان الحراسة والنظام في كافة الأحياء والقرى، لمراقبة تحركات القوات الإسرائيلية، لمنع دخولها إلى داخل الأحياء لاجراء الاعتقالات ، ولجان صحية متعددة، ومجموعات النسوة التي تهيأ الحجارة في متناول أيدي الشباب أثناء الصدامات، برزت فيها المرأة الجولانية صاحبة قدرة على المواجهة، وصاحبة قدرة على المبادرة واتخاذ القرارات الميدانية،والقيام بمهمات الرجل حين لاحقت سلطات الاحتلال رعاة الماشية، وخرجت إلى المراعي ولوحقت بالطائرات العامودية، فاصيبت عشرات النسوة واعتقلن وضربن أسوة بالرجال .
اننا نرتكب ظلما بحق عشرات المواقف، ومئات الأبطال من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب ، لاننا لم نستحضرهم امامنا،في تقريرنا هذا اليوم، ونرتكب ظلما اكبر ان تناسينا انهم وحدهم صناع هذه البطولات الفردية والجماعية التي وقف أمامها حكام إسرائيل بالذهول والاندهاش، لما أثبته الجولانيون من صمود وإصرار وتحدي، ما زال يشغل بال الكثيرين من الأصدقاء والأعداء، خاصة حين نستحضر تلك البطولات والتضحيات التي تجلت في كسر جدار الخوف من جنود الجيش الإسرائيلي.
ففي محاولة لنبش الذاكرة، وتصفح السنين، وتصفح عشرات الجرائد والمجلات، والإطلالة على العديد من أبطال المواقف الفردية التي عكست مواقف الصمود والتحدي الشعبية في تلك الانتفاضة الجولانية الفريدة، ولربما يتساءل سائل، ما الفائدة من استحضار هذا الماضي، في الوقت الذي نشهد فيه تراجعات في كل الاتجاهات والمجالات، فلا نخجل أن نقول:، أن استحضار تلك المواقف اصبح شيئا مهما في زمن التراجعات، وخاصة إلى أبنائنا من الأجيال الشابة، التي افتقدت إلى قراءة التاريخ، والتاريخ المحلي،ضمن خطط مدروسة مسبقا، ولان الطريق، طريق الحرية والتحرير طويل، ولان الصراع بين طلاب الحق ، وطلاب الباطل طويل أيضا، ومرير، اخترنا ان نقدم هذه الشهادات على أمل أن تصبح ذاكرة للنسيان، ولكل صاحب شان ومهتم بالشان الجولاني ، لما يلحقه هذه الأيام من أذى ، نتمنى ان لا يكون مقصودا، وان تكون تلك الشهادات مراجع رسمية لهم.
يحتفظ الأسير المحرر سليمان شمس، من داخل سجنه، بمشروع دراسة عن الجولان، بعنوان " يوميات جولانية موقف وحقائق" اخترنا منها عدة شهادات ومواقف، تم ترجمتها وارشفتها ضمن هذه الدراسة التي تنشر لأول مرة. وعدة شهادات من الصحف والجرائد العربية والعبرية، التي نحتفظ بها في الارشيف في مركز الجولان للإعلام والنشر..

ومما جاء في الفصل السابع الدراسة ص114 بعنوان معركة الهوية يكتب الأسير المحرر :" أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي" يوسف بورغ" في آذار عام 1982 أن سكان الجولان العرب سيلزمون اعتبارا من بداية نيسان، بحمل الهوية الإسرائيلية، وسينتهي مفعول الهويات التي أعطيت لهم من قبل الحكم العسكري عام 1967 . ومن اجل توجه سلطة الاحتلال لتنفيذ هذا القرار ، أحضرت في الثلاثين من آذار اكثر من اثني عشر ألف جندي ، من قوات " الغولاني" المختارة أي بمعدل جندي واحد لكل مواطن، تم تنسيق الأمر مع قوات حرس الحدود والشرطة وموظفي وزارة الداخلية من اجل التعاون فيما بينها على فرض الهويات. وقد كانت العملية بقيادة الميجر جنرال" يكتوائيل أدام " . دخل الجنود القرى وتمركزوا في الأماكن الحساسة، وعلى أسطح المنازل، وفرضوا حالة من الرعب. وفي غداة اليوم التالي فرض نظام منع التجول ، وسيرت الدوريات المكثفة وانتشر الجنود في الشوارع، وحول القرى محاولين منع أي تحرك. لقد تعرضوا لكل فرد يحاول الخروج من باب بيته، حتى بغرض قضاء حاجته في دورة المياه بفناء الدار. وضعت هذه الإجراءات المواطنين في موقف لم يبق منه سوى الرد على هذه الإجراءات القمعية التي لا تطاق بالعنف وعدم التقيد بمنع التجول. ومنذ بداية الإضراب وبالأخص في فترة الحصار الذي فرض على القرى طور المواطنون نهجا مؤداه، التجمهر في الساحات الرئيسية عندما يعلن العدو عن منع التجول،بهدف الاشتباك والمواجهة مع قوات الجيش والشرطة .
ظنت السلطة الإسرائيلية إن فرض البطاقات الإسرائيلية على السكان بالقسر والإرهاب يرغمهم على قبولها. لقد انطلق الاحتلال من فرضية معروفة بان " استخدام القوة العسكرية يعفي السكان من إمكانية المقاومة، ويزيح عن كاهلهم عبء الرفض" لقد اعتبرت السلطة المحتلة" إن المواطنين في الجولان يضربون بهدف تسجيل موقف ليس اكثر" أي إسقاط واجب. ليضيفوه إلى مواقفهم التظاهرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويجعلوا منه رصيدا في المستقبل، وكذلك أرادت بحشدها قوات كبيرة من الجيش، خلق حالة يكون فيها بمستطاع عرب الجولان القول " لا حول ولا قوة " وبالتالي يذعنون.)
ويضيف الأسير المحرر سليمان شمس في دراسته " وانطلق الاحتلال من فرضية أخرى" بان السكان استغلوا الديمقراطية الإسرائيلية، لاظهار رفضهم واستغلوا منحهم سهولة في التحرك فرفضوا القوانين وتجرأوا على التمادي والتمرد على السلطة" وبالتالي يخلق لنفسه مبررا للرد على هذا الاستغلال، باستعمال القوة ضدهم".
مراسل جريدة معاريف الاسرائيلية" اهرون دولاب"، يكتب عن لقائه مع إسماعيل فرحات 26 عاما من قرية بقعاثا ، وهو استاذ للكيمياء في إحدى مدارس الجولان، ويدرس في كلية " تل حاي" يوضح أسباب الإضراب" سنضرب حتى يلغى القانون الإسرائيلي، إذا أرادوا تطبيق القانون فليطبقوه على مناطق وليس على الناس لأننا تابعون للقومية السورية، لا توجد للكنيست الإسرائيلي أي صلاحية لتغير الدم العربي السوري الذي يجري في عروقنا" ( جريدة معاريف- من اهرون دولاب- الايجابيون السلبيون الغالبية الصامتة) .
لقد أراد الاحتلال بعملية الأول من نيسان، إن تكون الضربة ضربة قوية، تضع نهاية لكل ما يحدث في الجولان، وجاء على لسان الآهل في الجولان، أن الجيش احضر البطاقات التي يعتزم توزيعها ووزع أفراده إلى مجموعات لكل منها مهمة ، مجموعة للدوريات، مجموعة للحراسة، والمراقبة، مجموعة توزيع الهويات، وهذه رافقها موظفو وزارة الداخلية، بإرشاد عدد من العملاء المحليين.
أتت هذه الخطوة بالتساوق مع خطوات إعلامية مكثفة، بغية التشكيك والبلبة، وتركزت الحملة الإعلامية على التقليل من أهمية الإجراءات العسكرية وتصويرها كأمر روتيني بغية التخفيف من ردود الفعل المحلي والعالمي. ومن جهة ثانية ركزت وسائل الإعلام على زرع الشك في نفوس المواطنين المحاصرين ونشر بيانات وأخبار كاذبة ومضلله عنهم مثل" تسير عملية توزيع الهويات بشكل منتظم" أو " تسلم الهويات سبعون بالمئة من السكان" . لقد كان واضحا للسكان رغم فقدان الاتصال بين القرى وبين الأحياء والبيوت أن هذه الأنباء البيانات التي تبثها الإذاعة والتلفزيون، تهدف إلى نسف الثقة الوطيدة بين المواطنين وقادتهم الوطنيين.)
وعلقت صحيفة عال همشمار الاسرائيلية تقول : " حملة وزير الدفاع ارئيل شارون في الجولان فشلت ، فباستطاعة السلطات إغلاق مناطق كاملة وزج السكان في السجن، ولكن ليس باستطاعتها فرض رأي الحكومة عليهم وتغيير شعورهم وهويتهم ، هذه الحملة فشلت فشلا ذريعا، بعد فرض الحصار المستمر منذ عدة أسابيع، والكذب الإعلامي الرسمي بان 90% من سكان الجولان تسلموا الهويات" ( صحيفة عال همشمار الإسرائيلية لسان حال حزب مبام المعارض-10-4-1982)
في الوقت الذي كان يسير المخطط الإعلامي " متوازيا ومعتما على الممارسات العسكرية القمعية، كانت تدور في شوارع وأزقة قرى الجولان المعركة الاشرف لمواطنين عزل، معركة الهوية. فقد كانت الاشتباكات والصدامات بين الأهل والجيش من نصيب كل بيت تقريبا، وشهدت الساعات الأولى نزول المواطنين إلى الساحات والشوارع ، متحدين منع التجول المفروض ليقفوا مدافعين بأجسادهم عن قرارهم المتخذ.
دام هذا الوضع ثلاثة أيام كانت خلالها قرى الجولان ساحة معركة حقيقية، استعمل الجيش خلالها الأسلحة النارية والعصي وقنابل الغاز المسيل للدموع، وحول مدارس القرى إلى سجون وأماكن حجز وتعذيب ، والساحات العامة إلى مراكز حشد للجيش وقيادات عسكرية متقدمة، وجعل المناطق السهلية، بمحيط القرى معتقلات جماعية، بعد ان أحاطها بالأسلاك الشائكة مثلما فعل على بيادر مجدل شمس، حيث جعلها معتقلا كبيرا للمواطنين ، في المقابل كان سلاح السكان، العزيمة القوية والإرادة الصلبة والأيمان بعدالة الموقف والصمود بمواجهة كل الصعاب. .( يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس)
 ويتحدث المواطن من قرية بقعاثا صلاح فرحات عن الأحداث في الجولان فيقول:"حتى ولو دمروا كل البيوت على رؤوسنا، ولو وضعونا في الأسر كلنا، حتى وان حشدوا لكل فرد خمسة من الجنود، لا نوافق على ضم الجولان، ولا على القوانين الإسرائيلية.أن القوة الكبيرة التي حشدها الاحتلال لقمع موقفنا ووقف الإضراب لا تحقق لهم شرعية ضم الجولان، لان الشرعية والحق لجانب السكان، لجانبنا نحن أصحاب الجولان الحقيقيين،من الممكن أن يحدث وتتغلب القوة الهمجية للاحتلال على سكان عزل، وقلائل ، لكن ذلك سيكون مؤقتا، لا تستطيع التغلب مطلقا على قرار السكان وموقفهم المبدأي الرافض للاحتلال وقوانينه. لقد صمدنا حتى ألان شهرا وأسبوع، وأنا واثق بأننا سنصمد ألان واملنا كبير بأهلنا بأننا سنخرج منتصرين" . أما سليمان أيوب فيقول:" إن إضرابنا سيستمر حتى النهاية.." ويصف لنا غسان أبو جبل الحالة منذ الساعات الأولى لمنع التجول ومحاولة فرض الهويات:" جاء للقرية( مجدل شمس) حوالي خمسة الآلاف جندي إسرائيلي، قبل الفجر، واعلنوا بواسطة مكبرات الصوت عن حظر التجول. دخلوا إلينا حاملين البنادق والعصي وبدأوا بالضرب، وبديهي إننا ضربنا الجنود أيضا، لقد قرعوا الأبواب بقوة بواسطة العصي واعقاب البنادق وحاولوا إجبارنا اخذ الهويات الإسرائيلية، أما نحن فقد قذفنا لهم الهويات بوجوههم( المصدر: يديعوت احرونوت)
 أما المواطن سليمان طريف  فيقول:" حضر إلى بيتي عشرة جنود مسلحين، في الأول من نيسان ، اخذوا هويتي الصادرة عن الحكم العسكري واعطوني بطاقة هوية جديدة، عندما رميتها لهم، اقتادوني موقوفا الى المدرسة المحلية في البيادر التي حولوها إلى قيادة عسكرية، ضربوني هناك بالعصي عدة مرات كما ربطوا يداي وراء ظهري واوثقوني بسلك معدني إلى عمود اسمنتي وانهالوا علي بالعصي ضربا، ولم يعيدوني إلى منزلي إلا في الليل"..( يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس)
أما
 سليمان صالح الصفدي  فيضيف" نزل اكثر من ثلاثين جنديا وشرطيا إلي بيتي في الأول من نيسان واعتقلت في مبني المدرسة في الساحة بسبب رفضي حمل الهوية الإسرائيلية، واطلق سراحي في المساء لكن الجنود عادوا إليّ في الصباح وضربوني على الرغم من إنني أعاني ألما في العمود الفقري."( المصدر السابق)
ويقول المواطن حسين محمود الصباغ:" أعاني من أمراض في الكليتين، وحصلت على تحويل من عيادة صندوق المرضى في مجدل شمس إلى مستشفى بوريا في طبريا، لاجراء صورة إشعاعية، وعندما توجهت إلي الرائد " يوسف سردل" ( نائب الحاكم العسكري) طالبا منه تصريحا بالخروج، صاح في وجهي: ها قد أتى إليّ ياسر عرفات.... ثم ضربني باللكمات على بطني"( المصدر السابق)
ويقول غسان الكحلوني" لقد اعتقلني الجيش عندما ذهبت إلى المرحاض، في ساحة البيت. وعندما سألتهم هل علي أن اكبح حاجتي للتبول؟ قالوا لي: أستطيع قضاء حاجتي في البيت في كيس نايلون" أما سميرة ابو جبل فقد قالت " عندما ذهبت لكي أساعد جارتي التي ولدت في منزلها، ركض ورائي الجنود وضربوني ، وعندما عدت من بيت جارتي إلى البيت ضربوني مرة أخري." وبعد أن شاهد عماد محمود وهو في بيته جنودا يضربون ابن عمه زياد محمود البالغ من العمر سبعة عشر عاما هجم عماد على الجنود للدفاع عن زياد. عندئذ امسكه الجنود وضربوه على رأسه حتى نزف دمه" أما آذن مدرسة عين قنية وهيب منذر فيقول" كانت هذه اجمل مدرسة في الجولان، لقد دمر لنا الجنود كل شئ ألان .. إن كل من يقول أن الأولاد دمروها بمساعدة الأشخاص الكبار لاعطاء صورة مشوهة عن جنود الجيش الإسرائيلي، هو كاذب بالتأكيد. إن كل ما ترونه ألان من دمار وخراب هو نفس الحالة التي خلفها الجنود ورائهم عند ما تركوا المكان."( المصدر السابق)
الشيخ سلمان علي شعلان من قرية عين قنية يقول :" جاء الي الجنود وطلبوا مني بطاقات الهوية العسكرية أعطيتهم إياها.أرادوا إعطائي بطاقات هوية جديدة، وعندما رفضت استلامها أمروني بالتوقيع على استمارة اتنازل بموجبها عن كل شئ من حقوقي، عادوا أليّ في الساعة الحادية عشر مساء، والقوا البطاقات الجديدة في مدخل البيت، وعندما خرج الجنود أرادوا إغلاق بوابو البيت الرئيسية عن طريق تثبيت قفل إضافي عليها، بينما كنت وعائلتي في الداخل، وعندما أبديت اعتراضي رشني الجنود بالغاز المسيل للدموع في وجهي وبارحوا المكان." ( المصدر السابق)
الشيخ محمود جريرة ، عجوز وقور عمره ثمانون عاما ( مجاهد في الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي ) يقول: " في الأول من نيسان وضع الجنود هويتي وهوية ابني على باب البيت. رميت لهم البطاقات ثانية، قال لي الجنود" أنت ملزم بأخذ الهويتين حتما ولو رغما عنك. قلت لهم باني لن اخذ . ضربني أحدهم بالهراوة على كتفي فأمسكت بالعصا وقلت له: لا تضربني، أطلق علي النار من سلاحك، وفتحت صدري أمامه، لكنه عاود وضربني مرة أخرى" .( يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس – المصدر جريدة معاريف – الحقيقة ، الكذب والوقائع – مناحيم رهط و دافيد زوهر ) .
رفيق إبراهيم تحدث عن الضغوطات التي تعرض لها المعتقلون" في البداية استدعوني وهددوني وقاموا بشتمي، وبعد ذلك تلقيت على أياديهم ضربات مبرحة. لقدا جبروني على خلع عمامتي واستمروا بإشباعي ضربات ولكمات. وعندما اعتقدت انهم انتهوا طلبت منهم اعادة عمامتي لقد كان ذلك سببا كافيا ليبدأوا معي جولة جديدة من الضربات المبرحة. " المصدر:حصيفة يديعوت احرونوت5/3/1982"
أما العجوز فدوى أبو جبل ، فتصف الأمر بقولها" قدم الجنود إلى دارنا حاملين السلاح والعصي وقنابل الغاز، لتخويفنا. هددونا بالضرب والاعتقال إذا لم نستلم الهويات الإسرائيلية . رفضنا ذلك وصرخنا بوجوههم كي يخرجوا من الدار: ان هوياتكم لا نلمسها، وإذا رميتموها على ارض المنزل سندوسها. نحن لسنا بلا هوية، ولا نبدل ابننا ببدوق"( أي لا نبدل ابننا بلقيط – مثل شعبي ) ( المصدر السابق) .
احمد سمارة
29 عاما ، وهو مدرس يصف كيف دخل الجنود إلى منزله ويقول :" لقد طلبوا بطاقات الهوية العسكرية التي يحملها أفراد عائلتي، فأعطيتها لهم، وطلبوا منا إذا كنا نريد البطاقات الجديدة، ثم بدأت شقيقتي نجاح بتوجيه الشتائم لهم وبدأ نقاش حاد فما كان منهم إلا أن أبلغونا أننا سنذهب الى السجن وبداوا بضربنا. بعدها أغلقوا الباب ورموا بطاقات الهوية خارج الباب وابتعدوا وهم يرمون بطاقات الهوية في الشارع، إلا أن أحدا لم يتقدم لاستلامها( جريدة القدس 10/4/1982)
المواطن محمد سعيد القضماني من مجدل شمس:" ان الحصار ومحاولة خنقنا يدلان على افلاس السياسة الإسرائيلية، أرادوا ان يظهروا قوتهم ، وحاولوا بكل الوسائل من اجل تحطيمنا، لكن دون جدوى. نحن متمسكون بموقفنا، وبالأيمان والصبر وبالأمل سننتصر بأذن الله"( يوميات جولانية-موقف وحقائق- سليمان شمس)
هايل نعمان أبو جبل سائق سيارة أجرة يصف لمراسل صحيفة الاتحاد الحيفاوية عن احداث الاول من نيسان :" حين رفضنا استلام الهويات رموها على الأرض، فرد ابني الهويات في وجههم، ثم سحبوه الى الخارج واعتقلوه بعد ان ربطوا يديه واغمضوا عيونه، ووضعوه في المدرسة، من بيتنا نستطيع رؤية ما يحدث هناك، كانوا يجلسون المعتقلين من الشباب والشيوخ، وأياديهم مربوطة إلى الخلف، واحاطوهم بأسلاك شائكة، حين رأينا إن الجنود بدأوا بضرب المعتقلين بالعصي والركلات وهو مقيدين، لا ادري كيف هجمت من بيتي اطلب مساعدة آهل الحارة، بلمح البرق انضم الشباب والشيوخ وكل من يستطيع. وهجمنا على المدرسة هناك، بعضنا حمل العصي والمجارف،في الوقت الذي كنا ندب النخوة والحماس، اشتبكنا مع الجنود الذين أطلقوا النار علينا، واحتشدوا أمامنا، لم نتفرق بل واصلنا الهجوم، جارنا الشيخ أبو جهاد، أصاب العديد من الجنود بقبضات يديه، تعاركنا بالأيدي معهم، كان أمير دروري بنفسه، هناك. استطاعوا اعتقال آخرين، واصابة عدة مواطنين من الذين شاركوا بالهجوم على المدرسة.( الاتحاد الحيفاوية ) .
نزيه سليمان إبراهيم، في لقاء معه يقول ردا على الاعتقالات،" لا تخيفنا الاعتقالات، وان شعبنا يرفض الالتزام بحمل الهوية الإسرائيلية، إننا سوريون وهويتنا سورية، وهذا أمر بديهي، وقد عزمنا لى المقاومة".( يوميات جولانية-موقف وحقائق- سليمان شمس)
واما الشيخ أبو سليم فايز مصطفى من مجدل شمس أكد" إننا ندافع عن كرامتنا وشرفنا، والاحتلال لا يستطيع تغير انتمائنا الوطني بواسطة القوة انهم يحاولون خنقنا. لكن موقفنا لا نتنازل عنه مهما غلت التضحيات"( المصدر السابق)
الشيخ احمد سليمان شمس، من قرية بقعاثا:" لا تستطيع أي قوة ظالمة ومهما قست إن تجبرنا على استلام الهوية الإسرائيلية، إن الهوية تعبر عن الأرض والوطن، أيحسبوننا مثلهم، نرخص بأصلنا، لقد تخلو عن هوياتهم وارضهم وقدموا إلى هنا ليجبروننا على التخلي عن أرضنا وهويتنا؟ هذا لن يحصل، نحن أصحاب ارض وهويتنا عربية سورية "( المصدر السابق)
امرأة من عائلة إبراهيم، حاول الجنود منعها من خبز عجينها في المطبخ الواقع بجانب الدار. وعندما اعترضت بقولها " انه قوتنا ونريد أن نأكل " أهانها الجنود" فدبت الصوت" فقدم إلى نجدتها كل من سمعها ودارت معركة بين السكان والجنود، على أثرها جرح كليم إبراهيم في ساقه وشقيقته نهيله بيدها وهايل حمزة إبراهيم في كتفه ومحمد صالح إبراهيم في خاصرته وعزالدين إبراهيم في رأسه".( يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس).
نزيه أبو فياض هو رب لعائلة، موقوف منذ عدة أيام بسبب التحريض. عندما وصل الجنود كانت زوجته في البيت مع أولادها، طلبوا منها هويتها القديمة، لكنها أوضحت لهم بأنها لا تحمل هوية كهذه، لأنها ولدت في إحدى قرى الجليل، وتزوجت أحد أبناء مجدل شمس، ولديها بطاقة هوية إسرائيلية. رفض الجنود لسبب ما ... تصديقها وطلبوا الحصول على هويتها القديمة، وهنا وقعت مشادة بالأيدي جرح اثناءها ابن المرأة وعمره خمس سنوات في إحدى عينيه.(" يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس." المصدر جريدة معاريف4/4/1982).
وعندما ألقى طفل من عين قنية ، عمره ثلاث سنوات البطاقة الإسرائيلية للجنود بعد أن قذفوا بالهويات إلى داخل البيت وخرجوا. انهال عليه جندي ضربا مبرحا بالهراوة فهجمت أم الطفل على الجندي وعندما تقدم جندي أخر واطلق النار على رجلها. والام موجودة ألان في مستشفى رمبام في حيفا، لتلقى العلاج. وعندما حاول شقيق الام الاقتراب وضع جندي ثالث فوهة بندقيته على جبهته واطلق النار مما أدى إلى إصابته بالحروق والجروح. ( "يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس "– المصدر يديعوت احرونوت، من تقرير جمعية حقوق المواطن برئاسة القاضي حاييم كوهين)
في رسالة بعثت بها الطفلة ميسون فندي أبو جبل ابنه الإحدى عشر عاما إلى والدها المعتقل منذ عشر سنوات ومحكوم لمدة خمسة عشر عاما في السجن الإسرائيلي ، تشرح هذه الطفلة لوالدها ظروف الإضراب وممارسة الجيش الإسرائيلي أثناء فرض منع التجول وتوزيع الهويات ، ومما تقوله في الرسالة، كما وردت من المصدر، تركنا الأخطاء الإملائية واللغوية كما وردت .. :

"أبى أريد أن أخبرك عن حالنا، في هذه الأيام التي نمر بها بإضراب عام الذي شمل شهرين وعطلنا عن مدرستنا، والعمال لم تذهب إلى أعمالها، والحوانيت مقفلة، ولم تفتح، وعندما قررنا هذا الإضراب وضعوا لنا الحواجز بين القرى الأربع، ومنعونا من التجول بين القرى إلا باستلام تصريح. ومر علينا ثلاثة ايام منع تجول بين البيوت ومنع الوقوف على الأسطح والبرندات، وعلى الشبابيك ومنع فتحها، والجنود حاصرت كل بيت ، العشرات منها في كل بيت، وفي الساعة التي حددت بها منع التجول كانت الشباب نصنع تمثالا للشيخ سلطان الأطرش البطل، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، على بيت التل(تل صغير في مركز مجدل شمس تقوم علية مقبرة القرية، وموقع عسكري إسرائيلي).وبداوا الجنود بطردهم إلى بيوتهم . وفي الساعة هذه حصلت مظاهرة عنيفة وجرح بعض المواطنين السوريين وبعض الجنود. وبدأوا على مدة ثلاثة أيام بتوزيع الهويات الإسرائيلية، على الطرقات والسيارات تسير عليها. ونجاوبهم اننا مواطنون سوريون، ولا نتخلى عن وطننا وسمعتنا وكرامتنا ولا عن هويتنا السورية، ولكنهم بدأوا يهددونا بالعصى والبنادق وقنابل الغاز، مسيلة الدموع والسجن. ولكن هذه الأعمال المجرمة لا تخيفنا بل تجمعنا على بعضنا البعض وتزيدنا شجاعة فائقة ونحن لا نخاف إرهابهم . واعتقلوا كثيرا من الشباب الذين وقفوا فر وجوههم وضدهم ومضينا الثلاثة أيام المنع التجول عند بيت عمي مجيد لان بيتنا بعيد عن العائلة......" (.( يوميات جولانية- موقف وحقائق- سليمان شمس ص123).
فشل المحتلون رغم ممارساتهم الفاشية اثناء الحصار، بإدخال الرعب الى قلوب الأهل في الجولان، وعلى العكس من ذلك فان مقاومتهم اكتسبت صفة التنامي بالموازاة مع عنف ممارساته. وحتى عندما لجأ لأسلوب استخدام عملائه المحليين بعد تسليح بعضهم وإطلاق يدهم للتنكيل بالمواطنين الذين لم يتوانو في الدفاع عن أنفسهم ببسالة، ففي قرية عين قنية هجمت الصبايا والشباب على مقر المجلس المحلي العميل وحطموه بعد أن لعب هذا المجلس ورئيسه دورا تخريبيا ضد السكان، واستطاعوا سحب رئيسه وضربه.
أما عن تداعيات الممارسات الإسرائيلية في الجولان فقد غادر مندوب الصليب الأحمر الدولي المسئول عن عرب الجولان في المنظمة الدولية" فرنسوا درو" الى بلاده وترك عمله كمندوب للصليب لأسباب ضميرية تمس شعوره وضميره كما أعلن، فهو غير راض عن الحالة التي فرضت على الجولان وقال انه لا يستطيع التوجه ومقابلة عرب الجولان دون ان يكون لديه ما يقدمه لهم ، وهو الأمر الذي حيل بينه وبيت تحقيقه".( يوميات جولانية.موقف وحقائق- سليمان شمس).

من أرشيف مركز الجولان للإعلام والنشر-جولان للتنمية